أكد الكاتبان حسين عوضة وروبرت مالي أن خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لا تطلب التكفير من إسرائيل على جرائمها في غزة، بل من الفلسطينيين على أحداث السابع من أكتوبر، وكأن المأساة لا تحتاج سوى إعادة صياغةٍ تُبرّئ الجاني وتُدين الضحية. ركّزت الخطة على “نزع تطرف” غزة، لكنها تجاهلت التطرف الإسرائيلي المزمن، وتحدثت بإسهاب عن شكل الحكم الفلسطيني المستقبلي دون أن تذكر شيئاً عن مصير الاحتلال. جاءت الخطة ضبابية، بلا جدول زمني، ولا آليات رقابة، ولا عقوبات عند خرق الاتفاق. وحتى في أفضل الأحوال، إذا سار كل شيء وفقاً لما يُخطط له، فإن حياة الغزيين ستنتقل من الجحيم المطلق إلى الكابوس الدائم، من ضحايا بلا حماية إلى لاجئين مرتين في أرضهم.
أوضح موقع الجارديان أن إسرائيل تعيش ذروة تفوقها العسكري في المنطقة، لكنها أيضاً أكثر عزلة من أي وقت مضى. في المقابل، يحظى الفلسطينيون بدعم عالمي واسع، لكن حركتهم الوطنية في أسوأ حالاتها تنظيماً وتماسكاً. الخطة لم تأتِ بمعجزة سياسية، بل احتاجت إلى رئيس أمريكي لا يخضع لقواعد السياسة التقليدية، ولا يخشى الصدام مع إسرائيل، ويُجيد توظيف القوة أكثر مما يُتقن الصياغة. ترامب لم يقدّم حلاً عادلاً، بل اتفاقاً مؤقتاً يُرضي الطرفين بما يكفي لتجميد الحرب لا لإنهائها.
استفادت إسرائيل من الإفراج عن الأسرى واستمرار وجودها العسكري داخل غزة وإنهاء حربٍ استنزفتها داخلياً وفضحتها دولياً، بينما نالت حركة حماس وقف القتل الجماعي وتدفق المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح معتقلين، إلى جانب اعترافٍ ضمنيٍّ بها كجهة تفاوض معترف بها في شؤون الحرب والسلام. لم يأتِ النجاح من نصوص الخطة بل من موازين القوة التي يديرها ترامب كصفقة تجارية لا كعملية سلام.
أشار الكاتبان إلى الدور الحاسم لتركيا وقطر اللتين تمكّنتا من إقناع حماس بقبول ما كانت ترفضه سابقاً. لم يكن الاتفاق صفقة بين إسرائيل وحماس بقدر ما كان اتفاقاً بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني. واشنطن قدّمت الضمانات لإسرائيل، فيما قدّمت أنقرة والدوحة الضمانات لحماس. ولأن الحركة لا تثق بواشنطن، فقد اطمأنت إلى وعودٍ تمر عبر حلفاء إقليميين تربطهم بترامب مصالح خاصة.
رأى الكاتبان أن الغائب الأكبر عن المشهد هو القيادة الفلسطينية الرسمية، التي تابعت المفاوضات كالمتفرج على مسرحٍ كُتب وأُخرج من دونها. لم تُستدعَ السلطة الفلسطينية إلى الطاولة، واكتفت بالتعليق على ما يجري في بياناتٍ باهتة. تحاول هذه السلطة الآن أن تروّج لنفسها كبديلٍ لإدارة غزة، لكنها لا تملك نفوذاً حقيقياً في الضفة نفسها.
انطلقت إسرائيل لتكسر إرادة الفلسطينيين، لكنها قد تكون أيقظت جيلاً أشدّ غضباً. من رحم الدمار والقتل قد تنشأ حركاتٌ أكثر تطرّفاً تطالب بالثأر وتبحث عن العدالة المفقودة. يستحضر الكاتبان مشهد عام 1948 الذي أنجب منظمة التحرير الفلسطينية، محذّرين من أن واقع الأعوام الأخيرة قد يُنتج ما هو أخطر. فالتاريخ، كما يقولان، يتهيأ للانتقام، وغدُ الفلسطينيين قد يكون تكراراً لماضيهم.
يشير المقال إلى أن نهج ترامب “غير التقليدي” أتاح هدنة هشة، لكنه لا يكفي لبناء سلام دائم. الحل الحقيقي، كما يؤكد الكاتبان، يحتاج إلى كسر القوالب القديمة التي فشلت لعقود، لا إلى خطط تقنية جديدة. فالوثائق الكثيرة التي صيغت منذ عام 2000 لتقسيم القدس أو ضبط الأمن أو إنشاء دولتين لم تُطبق يوماً، لأنها تجاهلت جوهر الصراع: أنه ليس نزاعاً حدودياً، بل صراع هوية وذاكرة ووجود.
يحذّر عوضة ومالي من الاستمرار في وهم الحلول السريعة التي تعتمد على “عقلانية” مزعومة لدى الإسرائيليين أو “اعتدال” موهوم لدى الفلسطينيين، بينما يستمر ميزان القوى في الانحياز الفجّ. فكل التسويات التي وُصفت بالعقلانية أو الواقعية لم تجلب إلا المزيد من الدماء. المطلوب، في رأيهما، شجاعة سياسية تتعامل مع الصراع بوصفه مواجهةً بين شعبين يحمل كلٌّ منهما جراحاً وجودية، لا قضية حدودٍ يمكن تسويتها بمخطط هندسي أو بروتوكول أمني.
يختتم الكاتبان بأن خطة ترامب، رغم تناقضاتها، فتحت الباب أمام إدراكٍ جديد: أن الحل لن يولد من الورق، بل من إعادة تعريف القوة نفسها. القوة ليست في الاحتلال ولا في الحصار، بل في فهم الإنسان، وقراءة التاريخ بلا إنكار، والنظر إلى غزة لا كملفٍّ أمني، بل كاختبارٍ أخلاقيٍّ للعالم بأسره.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/oct/14/gaza-palestinians-trump-peace-plan